الحرية مطلب إنساني عام ، وأمل يعيش في ضمير كل إنسان . أما على الصعيد الاجتماعي فالحرية أمنية غالية تسعى إليها كل الشعوب . والعرب مثلهم مثل أي شعب .كانت الحرية هدفا جوهريا في حياتهم ، ولذلك لم يكن غريباً أن تكون هذه المشكلة التي ثار حولها الجدل في وقت مبكر منذ نهاية القرن الأول الهجري تقريبا هي أولى مشكلات الخلاف بين علماء المسلمين ، متكلمين وفقهاء . وقد تناولها العقل الإسلامي بالتحليل والتعليل لما لها من تأثير مباشر في حياة المسلم اليومية ، وهي كامنة في تساؤله المستمر : أهو مسير أم مخير ؟ . أهو خالق أفعاله أم أن هناك قوى غيبية تسيره رغم أنفه ؟ لا سيما والطابع الغالب على العرب قبل الإسلام أنهم جبرية ، ينسبون ذنوبهم إلى ربهم فيقولون : إن الله سبحانه قد شاء ما نحن به وحملنا عليه وأمرنا به ، فرد عليهم القرآن الكريم قائلا : وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قُل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون .ويقال إن «أول من قال بالجبر وأظهره بعد الإسلام : معاوية بن أبي سفيان وأنه أظهر أن ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذرا فيما يأتيه ويوهم أنه مصيب» . ثم ساعدت الدولة الأموية بحكمها الملكي ، على نشر المذهب الجبري ، وقمع جميع الحركات الفكرية المنادية بالحرية الإنسانية ومن أبرز هؤلاء المفكرين معبد الجهني (ت ٨٠هـ) وغيلان الدمشقي (ت ١٠٥هـ ) لذلك كان على المعتزلة وعلى رأسهم العلاف (ت ٢٣٥) ، دور بارز في تطهير عقول الناس من هذه الأفكار ، وإعلاء فكرة الحرية التي جاء بها الإسلام ، وتحريرا للعقلية الإسلامية ودفعا للإنسان العربي على طريق البناء والتقدم والحرية . وقد أسعفت نصوص القرآن الكريم ، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المعتزلة عامة على نقد مبدأ الجبرية وتعزيز مبدأ الحرية . وتصدى المعتزله للمذهب الجبري ، وفندوا حججه ، وبينوا تهافته حتى استطاعوا أن ينتصروا على ما عداهم من الفرق قبل أن يحل بهم الأفول الذي ربما يكون من أسبابه الخليفة المتوكل .

الحرية مطلب إنساني عام ، وأمل يعيش في ضمير كل إنسان . أما على الصعيد الاجتماعي فالحرية أمنية غالية تسعى إليها كل الشعوب . والعرب مثلهم مثل أي شعب .كانت الحرية هدفا جوهريا في حياتهم ، ولذلك لم يكن غريباً أن تكون هذه المشكلة التي ثار حولها الجدل في وقت مبكر منذ نهاية القرن الأول الهجري تقريبا هي أولى ...